قصة رجل مقعد تحزن القلب

بقلم: ماهر محمد التدمري
ولد زيد أخٌ لثلاثة إخوة، كان هوَ أصغرهم، في قريةٍ صغيرةٍ متواضعة، يغلب عليها الطابع البدائي. كان أهل هذه القرية كلما رأوا هذا الطفل المقعد، قالوا لوالده: (الله يجبر عليك)، وكأنما كان زيد نقمةاً على أبيه وأمه.
كانت أمه تحيطه بحنانٍ مفرط، وكان أبوه الرجل الفقير يقدم له كل ما يستطيع ويحيطه بالحب والحنان.
وعند بلوغ زيد سن الخمسة عشر عاماً، ماتَ أبوه، أبوه الذي جعل منه شاباً معقداً. كان زيد كلما جالسَ أبوه وأمه شعرَ أن الله قد عاقبهما به.
كبرَ زيد وكبرت معه همومه، وكبرت معه فكرة أن الله قد عاقب والديه به.
لقد كانت أم زيد كما سبق وذكرنا تحيطه بالحنان المفرط. الحنان المفرط الذي جعل منه شخصاً اتكالياً.
عند بلوغ زيد سن ال 18، قررت أمه أن تزوجه، كان زيد يقول لها: لا أستطيع أن أتزوج طالما أني لست موظفاً.
أوهمته أمه بطيب نيتها أنها وإخوته الثلاثة، عمر ومهند وحسام، سيكونون عوناً له في هذه الحياة القاسية.
وبعد أخذٍ ورد، استطاعت أم زيد أن تقنع زيد بالزواج، وبالفعل تم الأمر.
أنجب زيد الطفل الأول في سن التاسع عشر، وأنجب الطفل الثاني في سن العشرين. كانت زوجته وأمه قد أقنعوه بأن إخوته سيكونون عوناً له.
إخوته المتزوجين في بادئ الأمر تحمسو للفكرة، فقدموا له جزءاً من مصروفه الشخصي الذي كان لا يكفيه في الغالب.
أمّا أمه، فكانت تأخذه إلى الجمعيات الخيرية ليمارس التسول القانوني، والتسول القانوني يا أخوان، هوَ أبشع التسول، لأن بعض من يدير الجمعيات الخيرية، جعلوا من المعاقين مادةاً دسمة بأيديهم ليحققوا مصالحاً ضيقة وأهداف شخصية.
وأنا هنا لا أهاجم أحداً، لكن هذا هوَ الواقع بكل أسف. فكم من مبادرة ينفذها أشخاص أسوياء، تُظهر لك الكفيف في الفيديوهات يرسم، والأبكم يحاول التحدث أو يكتب مقالات، أو أو أو، والمعاق حركياً يعمل بحرف يكسب منها قوت يومه.
وبعد تصوير الفيديوهات، تبحث عن كل هؤلاء، وإذا هم منهزمين داخلياً، منبطحين أمام رغبات هؤلاء الأشخاص من أجل أن يأخذوا من الجمل أذنه.
وبذلك تكون المبادرة قد حققت نجاحاً إعلامياً وفشلت على أرض الواقع.
أمّا النجاح، فالكل يتحدث عن الأستاذ فلان، والدكتور فلان، والأخت فلانة، أمّا الفشل لا أحد يتابعه، لأن الناس لا يعنيها أمر المعاق.
وعند بلوغ زيد سن 22، كان ينتظر مولوداً ثالثاً، فماتت أمه. شعرَ زيد بأن ظهره قد انقسم بفقدان أبيه وأمه.
كبرَ زيد، وكبرت همومه، وكبرت أسرته، كان الحنان المفرط الذي عاملته به أمه قد جعلت منه رجلاً ضعيف الشخصية، رجلاً تافهاً لا هدف له، لكنه كان يقول: (إنَّ هدفي تربيت أبنائي).
لكنه ونظراً للتربية الخاطئة التي ترباها، ونظراً للمجتمع المتخلف الذي يحيط به، ونظراً لتخلي إخوته المتزوجين عنه بسبب ظروفهم الحياتية، قد قرر أن يصبح متسولاً.
فكما تعلمون، التربية السلبية تنتج شخصاً سلبياً.
زيد أصبح شخصاً سلبياً متسولاً، فهل نلومه هوَ، أَم نلوم والديه، أَم نلوم المجتمع المحيط به؟
سؤالٌ أترك لكم الإجابة عليه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق