رؤية من لا يرى الحقيقة

بقلم: (ماهر محمد التدمري)
لقد اعتمدت هذا العنوان لأنني قابلت الكثير من الناس في حياةِ يبصرون، ولكن لا يرون الحقيقة.
لا أدري، قد يكونون يرونها ولكنهم يهربون منها، أو يكذبون على أنفسهم.
فهم حوَّلوا الإنسان الأعمى وأصحاب الإعاقات الأخرى إلى متسولين، ويائسين، وعاجزين. فالأم التي تربي ابنها المعاق على أنه عاجز لا قيمة له انطلاقاً من قناعتها التي لا ترى الحقيقة هيَ أمٌ فاشلة، وستُسأل أمام الله.
سأُعطيكم أمثلة عن أُناسٍ تحدوا إعاقتهم، لكن بشرط، إياكم أن تُطالِبونِ كرجلٍ أعمى بأن أكونَ مثلهم، لأن مجتمعهم في ذلك الزمان، كان يتمتع بالعلم، وكانَ مجتمعاً فاضلاً مع احترامي للجميع، وكانَ يحترم العلم والعلماء.
أمّا مجتمعنا اليوم، تحكمه راقصة، فلو ذهبنا إلى مسجد كبير في أكبر مدينة عربية، وطلب الإمام من المصلين بأن يتبرعوا لصالح رجل معاق، ستكون قيمة التبرعات على الأكثر 5000 دولار.
ولو ذهبنا إلى ملها ليلي، وطلبت الراقصة من الحضور التبرع لصالح رجل معاق، صدقوني ستكون قيمة التبرعات الإجمالية ثلاثت أضعاف ما تبرع به المصلين.
بالمناسبة، أنا هنا لا أُهاجم أحداً، ولا أُشجع على الرذيلة، ولكنني أوضح الفرق بين مجتمعنا اليوم ومجتمع العلماء الذين سأتحدث عنهم الآن.
في عصر الصحابة مثلاً، جاء رجلٌ أعرج وهوَ (عَمرُ بن الجموح) ومعه أولاده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصمون، فقال أبناؤه: يا رسول الله، لعلك تقنع أبانا ألّا يُشاركَ في الغزوة، فتلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: (ليسَ على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج).
فقال عمر: يا رسول الله، إنَّ روحي تشتاق إلى الجنة، والله لأطأنّة الجنة بعرجتي هذه.
وهذا الإمام المحدث محمد بن عيسى، الملقب بالترمذي، يترك من بعده مؤلفات لا تزال تُدَرَّس إلى يومنا هذا، وهوَ رجلٌ أعمى.
وهذا عميد الأدب العربي، والكاتب والناقد المصري (طاهى حسين)، وهوَ رجلٌ أعمى أيضاً.
وهذا المخترع ورجل الأعمال الأمريكي (أدسن) الذي اخترع المصباح الكهربائي الذي نستفيد منه حتى يومنا هذا وربمى تستفيد منه بعدنا أجيالٌ وأجيال. وقد كان يعاني من مشاكل في سمعه.
فبالله عليكم، أينَ مقولة (العقل السليم في الجسم السليم) هنا؟
يا تُرى كوني رجل أعمى برأيكم، هل أعاني من خلل في وظائف العقل، وكل هؤلاء العظماء والعلماء عقلهم ليسَ سليماً، أَم أن الذي يرى الأعمى متسولاً عقله ليس سليماً؟
سؤالٌ أترك لكم الإجابة عليه...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق